المادة    
حياة القلوب لها أعمال ولها صفات وأحوال، والأعمال القلبية كثيرة جداً منها:
  1. الوجل

    كما في قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) [المؤمنون:60] وفي قوله تعالى: (( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ))[الأنفال:2].
  2. المحبة

    والمحبة قطعاً محلها القلب؛ ولذلك يقول الله تعالى: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ُيحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله))[البقرة:165] ويقول: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)) [آل عمران:31] ويقول: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ))[المائدة:18]، فهذه مزاعم ودعاوى باطلة، ولكن المؤمنين هم الذين يحبون الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحبون المؤمنين والصالحين وكل ما من شأنه أن يقربهم إلى الله عز وجل، وإلى محبته ورضاه.
  3. الإخلاص

    الإخلاص عمل عظيم، وبه يكون الفارق بين المؤمنين والمنافقين، لأنَّ المنافقين حتى وهم يشهدون شهادة الحق، فإنهم يشهدون وهم كاذبون، فإذا أردنا أن نفرق بين المؤمنين والمنافقين فالصدق والإخلاص هما أساس ذلك, وهما من أعظم أعمال القلوب إضافة إلى المحبة واليقين، قال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة))[البينة:5] نعم هكذا أمروا، فلو عبدوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من غير إخلاص, لما قبل منهم ولما نفعهم ذلك في شيء، لا سيما إذا فقد الإخلاص كله, أما إذا كان الإخلاص ناقصاً أي غير مفقود فشابته شوائب؛ فهذا له حكم أهل الوعيد والعصاة.
  4. الإخبات

    الخبت في اللغة: هو الأرض المنبسطة، والإخبات: أخبت إذا طأطأ حتى يساوى بالأرض، ففي هذا دليل على كمال الانقياد والإذعان ((فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ))[الحج:54] فالإخبات هو عدم الاعتراض, فلو ارتفعت لكان فيها نوع من الاستكبار.
    ولهذا يقولون في قلوب الكفار: إنها قلوب متكبرة جبارة, وكثيراً ما يصفهم الله بوصف الاستكبار؛ لأنهم يستكبرون عن عبادة الله وطاعته والانقياد لأمره، فالاستكبار ضد الإخبات.
    والإخبات في الشرع هو: الخضوع الكامل والمطلق، فكأنه التصق بالأرض، فليس لديه أي اعتراض على ما يأتي من عند الله تبارك وتعالى، فهو كما قال الله عز وجل: ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[النساء:65] والتسليم هو: حالة الإحسان التي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جبريل العظيم المشهور، وهو: {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك} لأنه كما قال ابن القيم رحمه الله تحكيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقام الإسلام.
    فمن لم يحكم رسول الله على قلبه ونفسه, ويجعل هواه تبعاً لما جاء به في أصل التحكيم؛ فإنه ليس بمؤمن ولا بمسلم, إذ التحكيم في مقام الإسلام هو كما قال: ((حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ))[النساء: 65]، وانتفاء الحرج يكون في مقام الإيمان، فالإيمان درجة أعلى من درجة الإسلام، فالدرجة هذه أنه حكم وانتفى الحرج من قلبه فلا حرج فيما يحكم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    والمقصود هو: ما جاء به عامة، أي: ما جاءنا من حكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهديه وسنته الظاهر منها والباطن، فنجعل كأنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنفسه قائم بين أظهرنا, يقول: اعملوا كذا ولا تعملوا كذا.
    فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاب بجسده, وأما دينه وسنته وهديه فهي بين أيدينا وحجته قائمة علينا, فلا بد من انتفاء الحرج هذا في مقام الإيمان.
  5. التسليم

    يقول: ((وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[النساء:65] وهذا التسليم هو الذي لا يخطر على البال معه أدنى اعتراض كما كان الصديق رضي الله عنه.
    ففي صلح الحديبية كان الصديق رضي الله عنه هو الوحيد من بين الصحابة جميعاً الذي سلم في هذا ولم يعترض، أما ثاني رجل في هذه الأمة في الإيمان والدين، وهو عمر رضي الله عنه فقد أبى واعترض، وقال: {يا رسول الله! ألسنا بالمؤمنين، وأليسوا بالكافرين، قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!} فكأن الشروط مجحفة وما سلم تسليماً، لكن ليس في ذلك رد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو تقديم بين يدي الله ورسوله، وإنما ذلك غيرة منه على دين الله، وحرصاً منه على علو الدين وظهوره وتمكينه وانتصاره على أعدائه, فيرى أن هذه الشروط مجحفة للمسلمين -كما هو ظاهر الحال- فما سلم تسليماً بحيث لا يكون لديه أي ممانعة أو مدافعة أو منازعة، وإذا علمنا ذلك علمنا أهمية أعمال القلوب، وأن التزكية تحتاج إلى صبر ومصابرة ومثابرة ومجاهدة ومحاضن تربوية، وعمل ذاتي من المربي أو المزكي بنفسه ومن المجتمع أو الأمة، حتى تصلح هذه القلوب وتصلح هذه الحالة (حالة الإحسان).
    ولهذا يقول عمر رضي الله عنه: [[فأعتقت وتصدقت لذلك]]، أي: أعتق وتصدق من أجل موقفه في ذلك اليوم, لأنه أنزله عن دائرة التسليم المطلق الذي فعله الصديق رضي الله عنه، وكان الصحابة مع عمر لكن لم يستطيعوا وليس فيهم جرأة عمر رضي الله عنه، فلما رأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحلق ويتحلل؛ عندها أذعنوا عملياً لمشورة أم المؤمنين رضي الله عنها.
  6. الإنابة

    قال تعالى: ((وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ))[الزمر:54] والإنابة معناها قريب من معنى الإخبات، وأناب في اللغة معناه: عاد ورجع، فالإنابة: أن يعود الإنسان ويرجع إلى الله رجوعاً كلياً متجرداً خالصاً لله تبارك وتعالى، فيرجع عن كل ما لديه من أهواء، وشهوات، ودوافع، ونوازع ويجعل همه هو رضا الله تبارك وتعالى.
  7. الخشية

    الخشية أمرها عظيم، وقد مدح الله وأثنى على الذين يخشونه، كما قال تعالى: ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ))[فاطر:28] ولا خير في علم لا يؤدي إلى خشية الله تبارك وتعالى.
  8. الخشوع

    قال تعالى: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ))[الحديد:16] والخشوع هذا بمعنى الخشية أو قريب منه.
    فأعمال القلب تتقارب؛ لأنها أعمال باطنة، فنجد -مثلاً- الوجل، والخوف، والخشية، والخشوع؛ متقاربة المعنى، ولكل واحد منها معنى, لكنها متقاربة في ذلك وكلها تدل في النهاية على كون هذا القلب خاضعاً وذليلاً للعزيز الجبار المتكبر الذي خلقه فسواه وعدله، وافترض عليه ما افترض، وشرع له ما شرع، وتعبده بما تعبد.
    فإذاً الوجل والخوف والخشية والخشوع هي جملة من أعمال القلب لها دلائل، ويقابلها الرجاء والمحبة والرضا والفرح, فتتوازن النفس الإنسانية بين هذه الأربعة وتلك الأربعة, فيكون الإنسان حقاً قد جمع كل أعمال القلوب وأنواعاً من العبوديات التي يحبها الله تبارك وتعالى والتي لا يريد أن يقع أو يحصل بعضها ويترك ويهمل البعض الآخر.
  9. التوكل

    إنَّ أعمال القلوب كثيرة، والقاعدة في ذلك: كل ما نسب إلى القلوب أو إلى الصدور في كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهي من أعمال القلوب، وهي أحياناً لا تنسب إلى القلب أو إلى الصدر ولكن هي محلُ ذلك، كالتوكل مثلاً، فهو من أعظم أعمال القلب؛ لأن التوكل يدخل في الاستعانة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الفاتحة التي هي أم القرآن والسبع المثاني يقول: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))[الفاتحة:5]، وكل الدين داخل في هذه الآية وهذه، كما قال الله تعالى: ((قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا))[الملك:29]، فـ ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ ))[الفاتحة:5] هي (( آمَنَّا بِهِ))[الملك29] و((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ))[الفاتحة:5] هي ((وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَاِ))[الملك29].
    فهناك أمران: أن يكون الله تبارك وتعالى وحده هو المعبود والغاية وهو المراد الذي نسعى إليه, وأن يكون هو المستعان به وحده على تحقيق هذه الغاية, والمتوكل عليه وحده في أمورنا وحدها، فأعمال القلوب كثيرة نستطيع أن نستخلصها من كتاب الله.